فصل: كتاب النكاح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. كتاب قسم الفيئ والغنيمة:

(الْفَيْءُ مَالٌ حُصِّلَ مِنْ كُفَّارٍ بِلَا قِتَالٍ وَ) بِلَا (إيجَافِ) أَيْ إسْرَاعِ (خَيْلٍ وَرِكَابٍ) أَيْ إبِلٍ (كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا) مِنْ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ سَمَاعِ خَبَرِهِمْ، (وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ وَ) مَالِ. (ذِمِّيٍّ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَيُخَمَّسُ) خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ قَالَ تَعَالَى: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»,«وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسَمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَخُمُسَ خُمُسِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ خُمُسُ خُمُسٍ، وَيُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ بَعْدَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَخُمُسُهُ لِخَمْسَةٍ أَحَدُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَ بَنُو الْمُطَّلِبِ وَهُمْ الْمُرَادُ بِذِي الْقُرْبَى فِي الْآيَةِ لِاقْتِصَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسْمِ عَلَيْهِمْ مَعَ سُؤَالِ غَيْرِهِمْ. مِنْ بَنِي عَمَّيْهِمْ نَوْفَلٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ لَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَيَشْتَرِكُ) فِيهِ (الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالْإِرْثِ)، فَلَهُ سَهْمَانِ، وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ وَلَا يُعْطَى أَوْلَادُ الْبِنْتِ، كَمَا فَعَلَ الْأَوَّلُونَ (وَالثَّالِثُ الْيَتَامَى وَهُوَ) أَيْ الْيَتِيمُ (صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ)؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْيَتِيمِ يُشْعِرُ بِالْحَاجَةِ، وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِشُمُولِ الِاسْمِ لِلْغَنِيِّ، (وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ)، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا وَبَيَانُ الْفَقِيرِ فِي الْكِتَابِ التَّالِي لِهَذَا (وَيَعُمُّ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ) بِالْعَطَاءِ (وَقِيلَ يَخُصُّ بِالْحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ) وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الْجَمِيعَ لِلْمَشَقَّةِ فِي النَّقْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْلَ لِنَاحِيَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا أَوْ لَمْ يَفِ مَا فِيهَا بِمَنْ فِيهَا، بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ (وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ، وَهُمْ الْأَجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ) لِعَمَلِ الْأَوَّلِينَ، وَالثَّانِي أَنَّهَا لِلْمَصَالِحِ، كَخُمُسِ الْخُمُسِ، وَأَهَمُّهَا تُعْهَدُ لِلْمُرْتَزِقَةِ، فَيَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ، وَيُخَالِفُهُ فِي الْفَاضِلُ عَنْهُمْ، وَالثَّالِثُ أَنَّهَا تُقَسَّمُ كَمَا يُقَسَّمُ الْخُمُسُ خُمُسُهَا لِلْمَصَالِحِ، وَالْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ، (فَيَضَعُ الْإِمَامُ دِيوَانًا) بِكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ كَمَا فِي الشَّامِلِ الدَّفْتَرُ الَّذِي يُثْبِتُ فِيهِ أَسْمَاءَ الْمُرْتَزِقَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَيُنَصِّبُ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِيفًا) لِيَعْرِضَ عَلَيْهِ أَحْوَالَهُمْ، وَيَجْمَعَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَنَصْبُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مُسْتَحَبٌّ (وَيَبْحَثُ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (وَعِيَالِهِ وَمَا يَكْفِيهِ فَيُعْطِيهِ كِفَايَتَهُمْ) نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَغَيْرَهُمَا لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ (وَيُقَدِّمُ فِي إثْبَاتِ الِاسْمِ وَالْإِعْطَاءِ قُرَيْشًا) اسْتِحْبَابًا لِشَرَفِهِمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحَدِيثِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، (وَهُمْ وَلَدُ النَّضِرِ بْنِ كِنَانَةَ) أَحَدِ أَجْدَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ) جَدِّهِ الثَّانِي، (وَ) بَنِي (الْمُطَّلِبِ) شَقِيقِ هَاشِمٍ (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ شَمْسٍ) شَقِيقِ هَاشِمٍ، (ثُمَّ) بَنِي (نَوْفَلٍ) أَخِي هَاشِمٍ لِأَبِيهِ، عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، وَتَقْدِيمُ بَنِي الْمُطَّلِبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْوِيَةِ النَّبِيِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ فِي الْقَسْمِ (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ الْعُزَّى) بْنِ قُصَيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ أَصْهَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، (ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْهُمْ بَعْدَ بَنِي عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ (ثُمَّ) بَعْدَ قُرَيْشٍ (الْأَنْصَارَ) لِآثَارِهِمْ الْحَمِيدَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُمْ حَيَّانِ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ (ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ) أَيْ بَاقِيَهُمْ (ثُمَّ) يُعْطِي (الْعَجَمَ)؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبٌّ (وَلَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ أَعْمَى، وَلَا زَمِنًا، وَلَا مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ) غَيْرَهُمَا لِعَجْزِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْأَقْوِيَاءَ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْغَزْوِ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ الْأَحْرَارِ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ الْمُسْلِمِينَ، (وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ) أَيْ زَوَالُ مَرَضِهِ أَوْ جُنُونِهِ (أُعْطِيَ) لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ الْجِهَادِ وَيَشْتَغِلُوا بِالْكَسْبِ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ) زَوَالُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى) أَيْضًا (وَكَذَا) تُعْطَى (زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ إذَا مَاتَ) لِئَلَّا يُشْغَلَ النَّاسُ بِالْكَسْبِ عَنْ الْجِهَادِ، إذَا عَلِمُوا ضَيَاعَ عِيَالِهِمْ بَعْدَهُمْ، (فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تُنْكَحَ وَالْأَوْلَادُ) الذُّكُورُ (حَتَّى يَسْتَقِلُّوا) بِالْكَسْبِ، وَالْإِنَاثُ حَتَّى يَتَزَوَّجْنَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْوَسِيطِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُعْطَى هُوَ وَلَا عِيَالُهُ بَعْدَهُ، لِعَدَمِ رَجَاءِ نَفْعِهِ وَلِزَوَالِ تَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ (فَإِنْ فَضَّلَتْ) بِالتَّشْدِيدِ (الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ وَزَّعَ) الْفَاضِلَ (عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ بَعْضَهُ فِي إصْلَاحِ الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ) أَيْ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُدَّةٌ لَهُمْ، وَيَكُونُ الْمُوَزَّعُ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ بَلْ يُوَزِّعُ جَمِيعَ الْفَاضِلِ، (وَهَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ فَأَمَّا عَقَارُهُ) وَهُوَ الدُّورُ وَالْأَرَاضِيُ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْعَلُ وَقْفًا) بِأَنْ يَقِفَهُ الْإِمَامُ (وَتُقَسَّمَ غَلَّتُهُ) كُلَّ سَنَةٍ (كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ قَسْمِ الْمَنْقُولِ، أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ، وَخُمُسُهَا لِلْمَصَالِحِ، وَالْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ سَوَاءٌ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ، وَوُجِّهَ أَنَّهُ يُقَسَّمُ كَالْمَنْقُولِ إلَّا سَهْمَ الْمَصَالِحِ.

. فَصْلٌ:

(الْغَنِيمَةُ مَالٌ حُصِّلَ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ) بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ، (فَيُقَدَّمُ مِنْهُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ) الْمُسْلِمِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَهُوَ ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَالْخُفُّ وَالرَّانُ) بِالرَّاءِ وَالنُّونِ، وَهُوَ خُفٌّ بِلَا قَدَمٍ، (وَآلَاتُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ) أَيْ زَرَدِيَّةٌ (وَسِلَاحٌ وَمَرْكُوبٌ وَسَرْجٌ وَلِجَامٌ) وَمِقْوَدٌ (وَكَذَا سِوَارٌ) وَطَوْقٌ (وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ وَنَفَقَةُ مَعَهُ) بِهِمْيَانِهَا (وَجَنِيبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ بِيَدِ يَدَيْهِ، (فِي الْأَظْهَرِ لَا حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ)، بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالدَّرَاهِمِ، (عَلَى الْمَذْهَبِ)، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَطْرُدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا وَجْهُ أَوَّلِهِمَا، أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي يَدِهِ يَمْتَدُّ طَمَعُ الْقَاتِلِ بِهَا، وَالثَّانِي قَالَ لَيْسَ مُقَاتِلًا إلَيْهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَنِيبَةِ وَالْحَقِيبَةِ أَنَّ الْجَنِيبَةَ فِي مَعْنَى الْمَرْكُوبِ.
(وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ) السَّلَبُ (بِرُكُوبِ غَرَرٍ يُكْفَى بِهِ شَرُّ كَافِرٍ فِي حَالِ الْحَرْبِ، فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنْ الصَّفِّ أَوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ). أَيْ الْكَافِرُ، (وَقَدْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ، فَلَا سَلَبَ لَهُ) لِانْتِفَاءِ رُكُوبِ الْغَرَرِ الْمَذْكُورِ (وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ، بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ)، وَالثَّانِي يَقُولُ فِي الْأَسْرِ لَمْ يَنْدَفِعْ بِهِ شَرُّهُ كُلُّهُ، وَفِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ قَدْ يَهْرُبُ، وَيَجْمَعُ الْقَوْمَ وَفِي قَطْعِ الرِّجْلَيْنِ قَدْ يُقَالُ: يُقَاتِلُ رَاكِبًا بِيَدَيْهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ بِخِلَافِ قَطْعِ إحْدَاهُمَا (وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَالثَّانِي يُخَمَّسُ فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْبَاقِي لِلْقَاتِلِ، (وَبَعْدَ السَّلَبِ تَخْرُجُ مُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَالنَّقْلِ وَغَيْرِهِمَا) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ) بَيْنَهُمْ (كَمَا سَبَقَ) قَالَ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَمَّا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ النَّفَلَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ (يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ أَنَّ نَفَلَ مِمَّا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ) وَالثَّانِي مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَالثَّالِثُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا، (وَيَجُوزُ أَنْ يُنْفَلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ، وَالنَّفَلُ زِيَادَةٌ يَشْرِطُهَا الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ، لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ) كَالتَّهَجُّمِ عَلَى قَلْعَةٍ، وَالدَّلَالَةِ عَلَيْهَا، وَحِفْظِ مَكْمَنٍ وَتَجَسُّسِ حَالٍ، (وَيَجْتَهِدُ) الشَّارِطُ (فِي قَدْرِهِ) بِقَدْرِ الْفِعْلِ وَخَطَرِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا سَيَغْنَمُ، فَيَذْكُرُ جُزْءًا كَرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ، وَتُحْتَمَلُ فِيهِ الْجَهَالَةُ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُنْفِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِي الْحَرْبِ مُبَارَزَةٌ، وَحَسَنُ إقْدَامٍ، وَأَثَرٌ مَحْمُودٌ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ، (وَالْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا لِلْغَانِمِينَ) أَخْذًا مِنْ الْآيَةِ حَيْثُ اقْتَصَرَ فِيهَا بَعْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ عَلَى إخْرَاجِ الْخُمُسِ، (وَهُمْ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ)، وَمَنْ حَضَرَ لَا بِنِيَّتِهِ، وَقَاتَلَ فِي الْأَظْهَرِ الْآتِي، وَمَنْ حَضَرَ غَيْرَ كَامِلٍ، فَلَهُ الرَّضْخُ فِي الْأَظْهَرِ الْآتِي.
(وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَفِيمَا قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ (وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَالْحِيَازَةِ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ، وَكَذَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فِي الْأَصَحِّ). بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالِانْقِضَاءِ، وَالثَّانِي يَقُولُ بِالِانْقِضَاءِ وَالْحِيَازَةِ مَعًا (وَلَوْ مَاتَ فِي الْقِتَالِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ) وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِحُضُورِهِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، وَالثَّالِثُ إنْ حَصَلَتْ الْحِيَازَةُ بِذَلِكَ الْقِتَالِ اسْتَحَقَّ أَوْ بِقِتَالٍ جَدِيدٍ، فَلَا (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَجِيرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ وَالتَّاجِرَ وَالْمُحْتَرَفَ يُسْهَمُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا)، لِشُهُودِهِمْ الْوَقْعَةَ، وَالثَّانِي لَا إذَا لَمْ يَقْصِدُوا الْجِهَادَ (وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ) سَهْمَانِ لِلْفَرَسِ، وَسَهْمٌ لَهُ لِلْأَتْبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَلَا يُعْطَى)، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ (إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) كَالْبِرْذَوْنِ أَبَوَاهُ عَجَمِيَّانِ وَالْهَجِينِ أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ عَجَمِيَّةٌ، وَالْمُقْرِفُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ، وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ، (لَا لِبَعِيرٍ وَغَيْرِهِ) كَالْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّوَابَّ لَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ صَلَاحِيَّةَ الْخَيْلِ لَهُ، بِالْكَرِّ وَالْفَرِّ اللَّذَيْنِ تَحْصُلُ بِهِمَا النُّصْرَةُ، نَعَمْ يُرْضَخُ لَهَا، وَرَضْخُ الْفِيلِ أَكْثَرُ مِنْ رَضْخِ الْبَغْلِ، وَرَضْخُ الْبَغْلِ أَكْثَرُ مِنْ رَضْخِ الْحِمَارِ، (وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ) أَيْ مَهْزُولٍ، (وَمَا لَا غَنَاءَ فِيهِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ أَيْ نَفْعَ كَالْكَسِيرِ وَالْهَرَمِ، (وَفِي قَوْلٍ يُعْطَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ نَهْيَ الْأَمِيرِ عَنْ إحْضَارِهِ)، كَمَا يُعْطَى الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، إذَا حَضَرَ وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الشَّيْخَ يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ، وَدُعَائِهِ وَقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ نَهْيَ الْأَمِيرِ صَادِقٌ بِمَا فِي الرَّوْضَةِ، كَأَصْلِهَا إنْ لَمْ يُنْهَ أَوْ لَمْ يُبَلَّغْ النَّهْيَ.
(وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالذِّمِّيُّ إذَا حَضَرُوا) الْوَقْعَةَ (فَلَهُمْ الرَّضْخُ) لِلْأَتْبَاعِ رَوَاهُ فِي الْعَبْدِ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَفِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ مُرْسَلًا، وَفِي قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ أَسْهَمَ، وَحُمِلَ عَلَى الرَّضْخِ وَسَوَاءٌ أَذِنَ السَّيِّدُ وَالْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ فِي الْحُضُورِ أَمْ لَا، (وَهُوَ دُونَ سَهْمٍ) وَإِنْ كَانُوا فُرْسَانًا وَ (يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي قَدْرِهِ) بِحَسَبِ مَا يَرَى، وَيُفَاوِتُ بَيْنَ أَهْلِهِ بِحَسَبِ نَفْعِهِمْ، فَيَرْجِعُ الْمُقَاتِلُ، وَمَنْ قِتَالُهُ أَكْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفَارِسُ عَلَى الرَّاجِلِ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَسْقِي الْعِطَاشَ عَلَى الَّتِي تَحْفَظُ الرِّحَالَ، (وَمَحَلُّهُ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَالثَّانِي أَصْلُ الْغَنِيمَةِ وَالثَّالِثُ خُمُسُ الْخُمُسِ لَهُمْ الْمَصَالِحُ، وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ)، وَفِي قَوْلٍ مُسْتَحَبٌّ قُلْت أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (إنَّمَا يُرْضَخُ لِذِمِّيٍّ حَضَرَ بِلَا أُجْرَةٍ، وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)، فَإِنْ حَضَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُرْضَخْ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِمُوَالَاةِ أَهْلِ دِينِهِ، بَلْ يُعَزِّرُهُ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِنْ حَضَرَ بِإِذْنِهِ بِأُجْرَةٍ فَلَهُ الْأُجْرَةُ فَقَطْ.

. كتاب قسم الصدقات:

أَيْ الزَّكَوَاتِ لِمُسْتَحِقِّيهَا وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ يُذْكَرُونَ عَلَى تَرْتِيبِ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} إلَى آخِرِهِ، الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ، كَمَنْ يَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةٍ، وَلَا يَمْلِكُ أَوْ يَكْسِبُ إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، (وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ وَثِيَابُهُ)، إنْ كَانَتْ لِلتَّجَمُّلِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَعَبْدُهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي، الرَّوْضَةِ وَعَلَى وَفْقِ بَحْثِ الرَّافِعِيِّ، وَقَالَ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ (وَمَالُهُ الْغَائِبُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ وَالْمُؤَجَّلُ) فَيَأْخُذُ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَالِهِ، وَإِلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ.
(وَكَسْبٌ لَا يَلِيقُ بِهِ) فَيَتْرُكُهُ، وَيَأْخُذُ (وَلَوْ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ) شَرْعِيٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا (وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ) مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهِ (فَفَقِيرٌ) فَيَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ، وَيَأْخُذُ (لَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِفَقِيرٍ، فَيَكْتَسِبُ وَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَقِيرِ الَّذِي يَأْخُذُ (الزَّمَانَةُ وَلَا التَّعَفُّفُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمِ يُشْتَرَطَانِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الزَّمِنِ يُمْكِنُهُ الْكَسْبُ، وَغَيْرُ الْمُتَعَفِّفِ إذَا سَأَلَ أُعْطِيَ وَمَنَعَ الْأَوَّلُ التَّوْجِيهَيْنِ (وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةٍ قَرِيبٌ أَوْ زَوْجٌ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ، كَالْمُكْتَسِبِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ، وَيُمْنَعُ تَشْبِيهُهُ بِالْمُكْتَسِبِ، (وَالْمِسْكِينُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا يَكْفِيهِ)، كَمَنْ يَمْلِكُ أَوْ يَكْسِبُ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً وَلَا يَكْفِيهِ إلَّا عَشَرَةٌ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْمَالِ، أَوْ يَكْسِبُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ قَوْلِنَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ الْمَطْعَمَ، وَالْمُشْرَبَ وَالْمَلْبَسَ، وَالْمَسْكَنَ، وَسَائِرَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ، وَلَا تَقْتِيرٍ لِلشَّخْصِ، وَلِمَنْ هُوَ فِي نَفَقَتِهِ (وَالْعَامِلُ سَاعٍ وَكَاتِبٌ) وَحَاسِبٌ (وَقَاسِمٌ وَحَاشِرٌ يَجْمَعُ ذَوِي الْأَمْوَالِ)، وَحَافِظٌ لَهَا (لَا الْقَاضِي وَالْوَالِي) أَيْ وَالِي الْإِقْلِيمِ، وَالْإِمَامُ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الزَّكَاةِ وَرِزْقُهُمْ، إذَا لَمْ يَتَطَوَّعُوا فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدُ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، لِأَنَّ عَمَلَهُمْ عَامٌّ (وَالْمُؤَلَّفَةُ مَنْ أَسْلَمَ، وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ، أَوْ لَهُ شَرَفٌ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَقُوَّةِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ لِلْآيَةِ، (وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ)، فَيُدْفَعُ إلَيْهِمْ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يَفِي بِنُجُومِهِمْ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْكِتَابَةِ صَحِيحَةً، وَيَجُوزُ الدَّفْعُ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ، وَبِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، (وَالْغَارِمُ إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) كَنَفَقَةِ عِيَالِهِ، (أُعْطِيَ) بِخِلَافِ الْمُسْتَدِينِ فِي مَعْصِيَةٍ، كَالْخَمْرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ فَلَا يُعْطَى، (قُلْت: الْأَصَحُّ يُعْطَى إذَا تَابَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا، وَوُجِّهَ مُقَابِلُهُ بِأَنَّهُ يَتَّخِذُ لَهُ التَّوْبَةَ ذَرِيعَةً لِلْأَخْذِ، وَيَعُودُ وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْوَجْهَيْنِ، وَتَصْحِيحُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ جَمَاعَةٍ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ) بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى وَفَاءِ مَا اسْتَدَانَهُ، وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِعُمُومِ الْآيَةِ (دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ) فَلَا يُشْتَرَطُ (قُلْت الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِيَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى وَفَائِهِ، وَالْأَوَّلُ يُنْظَرُ إلَى وُجُوبِهِ (أَوْ) اسْتَدَانَ (لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيْ الْحَالِ بَيْنَ الْقَوْمِ كَانَ يَخَافُ فِتْنَةً بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ تَنَازَعَتَا فِي قَتِيلٍ، لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ فَيَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ، (أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى)، بِالْعَقَارِ وَالْعَرَضِ وَالنَّقْدِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، (وَقِيلَ إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا) يُعْطَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ إخْرَاجَهُ فِي الْغُرْمِ لَيْسَ، فِيهِ مَشَقَّةُ بَيْعِ الْعَقَارِ، أَوْ الْعَرَضِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرُّ مُتَوَقَّعًا فِي مَالٍ فَتُحْمَلُ قِيمَةُ الْمُتْلِفِ فَفِي إعْطَائِهِ مَعَ الْغِنَى وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ فِتْنَةَ الدَّمِ أَشَدُّ، وَلَوْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِالضَّمَانِ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ أُعْطِيَ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ (وَسَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى غُزَاةٌ لَا فَيْءَ لَهُمْ) بِأَنْ نَشِطُوا لِلْجِهَادِ، وَلَمْ يَتَجَرَّدُوا لَهُ (فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى) بِخِلَافِ مَنْ تَجَرَّدُوا لَهُ، وَهُمْ الْمُرْتَزِقَةُ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْفَيْءِ، فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ (وَابْنُ السَّبِيلِ مُنْشِئُ سَفَرٍ) مِنْ بَلَدِهِ أَوْ بَلَدٍ كَانَ مُقِيمًا بِهِ (أَوْ مُجْتَازٌ) بِبَلَدٍ فِي سَفَرِهِ (وَشَرْطُهُ الْحَاجَةُ وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ) بِسَفَرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَفَرِهِ، أَوْ كَانَ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً، لَمْ يُعْطَ فَيُعْطَى فِي الطَّاعَةِ كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ، وَالزِّيَارَةِ وَفِي الْمُبَاحِ كَالسَّفَرِ لِطَلَبِ الْآبِقِ، وَالنُّزْهَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُعْطَى.
(وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْإِسْلَامُ)، فَلَا تُعْطَى لِكَافِرٍ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ»، (وَأَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا، وَلَا مُطَّلِبِيًّا)، فَلَا تَحِلُّ لَهُمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ «لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا، وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ»، أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (وَكَذَا مَوْلَاهُمْ) أَيْ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِحَدِيثِ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي قَالَ الْمَنْعُ فِيهِمْ لِاسْتِغْنَائِهِمْ بِخُمُسِ الْخُمُسِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا حَقَّ لِمَوْلَاهُمْ فِيهِ فَتَحِلُّ لَهُ.

. فَصْلٌ:

مَنْ طَلَبَ زَكَاةً، وَعَلِمَ الْإِمَامُ اسْتِحْقَاقًا أَوْ عَدَمَهُ عَمِلَ بِعِلْمِهِ فَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ لِمَنْ عَلِمَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ، وَيَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ، (وَإِلَّا). أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ، أَيْ لَمْ يَعْلَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (فَإِنْ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً، لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً) لِعُسْرِهَا وَلَا يَحْلِفُ إنْ اُتُّهِمَ فِي الْأَصَحِّ، (فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ) لِسُهُولَتِهَا، (وَكَذَا إنْ ادَّعَى عِيَالًا) يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَوْ قَالَ: لَا كَسْبَ لِي، وَحَالُهُ يَشْهَدُ بِصِدْقِهِ بِأَنْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، أَوْ زَمِنًا أُعْطِيَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ (وَيُعْطَى غَازٍ وَابْنُ سَبِيلٍ بِقَوْلِهِمَا) بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ، (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا اُسْتُرِدَّ) مِنْهُمَا، وَيُحْتَمَلُ تَأْخِيرُ الْخُرُوجِ لِانْتِظَارِ الرِّفْعَةِ، وَتَحْصِيلِ الْأُهْبَةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَيُطَالَبُ عَامِلٌ وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ بِبَيِّنَةٍ) بِالْعَمَلِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْغُرْمِ لِسُهُولَتِهَا، وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ يُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ، وَالْأَوَّلُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، (وَهِيَ) أَيْ الْبَيِّنَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَمَا تَقَدَّمَ (إخْبَارُ عَدْلَيْنِ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى عِنْدِ قَاضٍ، وَإِنْكَارٍ وَاسْتِشْهَاد (وَتُغْنِي عَنْهَا الِاسْتِفَاضَةُ) بَيْنَ النَّاسِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهَا (وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ) فِي الْغَارِمِ (وَالسَّيِّدِ) فِي الْمُكَاتَبِ يُغْنِي عَنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ الْحَالِ، وَالثَّانِي: لَا يُغْنِي لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ (وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا، إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، (كِفَايَةَ سَنَةٍ)؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ، فَتَحْصُلُ بِهَا الْكِفَايَةُ سَنَةً (قُلْت الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ) يُعْطَى (كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبُ، فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ) وَيَسْتَغْنِي عَنْ الزَّكَاةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَمَنْ يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ آلَاتِهَا قَلَّتْ قِيمَتُهَا، أَوْ كَثُرَتْ أَوْ بِتِجَارَةٍ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ، مِمَّا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فِيهِ مَا يَفِي رِبْحَهُ بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا، فَالْبَقْلِيُّ يَكْتَفِي بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ والْباقِلَّائِيُّ بِعَشَرَةٍ وَالْفَاكِهِيُّ بِعِشْرِينَ، وَالْخَبَّازُ بِخَمْسِينَ، وَالْبَقَّالُ بِمِائَةٍ وَالْعَطَّارُ بِأَلْفٍ، وَالْبَزَّازُ بِأَلْفَيْنِ، وَالصَّيْرَفِيُّ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، وَالْجَوْهَرِيُّ بِعَشَرَةِ آلَافٍ.
(وَ) يُعْطَى (الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَدْرَ دَيْنِهِ)، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ أُعْطِيَ الْبَاقِيَ، (وَ) يُعْطَى (ابْنُ السَّبِيلِ مَا يُوَصِّلُهُ مَقْصِدَهُ) بِكَسْرِ الصَّادِ، (أَوْ مَوْضِعَ مَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ مَالٌ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى كِسْوَةٍ أُعْطِيَهَا (وَ) يُعْطَى (الْغَازِي قَدْرَ حَاجَتِهِ لِنَفَقَةٍ، وَكِسْوَةٍ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ) أَيْ فِي الثَّغْرِ (وَفَرَسًا) إنْ كَانَ يُقَاتِلُ فَارِسًا (وَسِلَاحًا) وَعِبَارَةُ الْمُحَرِّرِ وَيَشْتَرِي لَهُ الْفَرَسَ وَالسِّلَاحَ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يُعْطَى مَا يَشْتَرِيهِمَا بِهِ. (وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ)، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَا لَهُ، (وَيُهَيَّأُ لَهُ وَلِابْنِ السَّبِيلِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (مَرْكُوبٌ إنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ كَانَ) هُوَ (ضَعِيفًا لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ، وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَمَتَاعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ)، فَلَا وَكَذَا لَوْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا، وَهُوَ قَوِيٌّ، وَالْمُؤَلَّفَةُ يُعْطَوْنَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، قَالَ الْمَسْعُودِيُّ عَلَى قَدْرِ كُلْفَتِهِمْ، وَكِفَايَتِهِمْ، وَالْعَامِلُ يُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِ عَمَلِهِ، فَإِنْ زَادَ سَهْمُهُ عَلَيْهَا رُدَّ الْفَاضِلُ عَلَى سَائِرِ الْأَصْنَافِ، وَإِنْ نَقَصَ كُمِّلَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَمَّلَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، (وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ) كَفَقِيرٍ غَارِمٍ (يُعْطَى بِإِحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ عَطْفَ بَعْضِ الْمُسْتَحَقِّينَ عَلَى بَعْضٍ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ، وَالثَّانِي يُعْطَى بِهِمَا بِجَعْلِ تَعَدُّدِ الْوَصْفِ كَتَعَدُّدِ الشَّخْصِ.

. فَصْلٌ:

يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الْقَسْمِ (إنْ قَسَمَ الْإِمَامُ، وَهُنَاكَ عَامِلٌ وَإِلَّا)، بِأَنْ عَامَلَ بِأَنْ حَمَلَ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ زَكَاتَهُمْ إلَى الْإِمَامِ، (فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةٍ فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ) أَيْضًا (فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ) مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حُفِظَتْ الزَّكَاةُ حَتَّى يُوجَدُوا أَوْ يُوجَدَ بَعْضُهُمْ (وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ اسْتَوْعَبَ مِنْ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادُ كُلِّ صِنْفٍ) وُجُوبًا (وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالِكُ) الْآحَادَ وُجُوبًا (إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ إعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لِذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنُ السَّبِيلِ الَّذِي هُوَ لِلْجِنْسِ وَلَا عَامِلَ، وَفِي قَسْمِ الْمَالِكِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، (وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ) وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ إلَّا الْعَامِلَ، فَلَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ، كَمَا سَبَقَ (لَا بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ) فَيَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ (إلَّا أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ فَيَحْرُمَ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ) قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ، بِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابَ التَّسْوِيَةِ.
(وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ) مِنْ بَلَدِ الْوُجُوبِ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فِيهِ الْمُسْتَحِقُّونَ، بِأَنْ تُصْرَفَ إلَيْهِمْ أَيْ يَحْرُمُ، وَلَا يُجْزِئُ لِمَا فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»، وَالثَّانِي: يَجُوزُ النَّقْلُ وَيُجْزِئُ لِلْإِطْلَاقِ فِي الْآيَةِ، (وَلَوْ عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ وَوَجَبَ النَّقْلُ) إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ (أَوْ) عُدِمَ (بَعْضُهُمْ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ) مَعَ وُجُودِهِمْ (وَجَبَ) نَقْلُ نَصِيبِ الْمَعْدُومِ إلَى مِثْلِهِ، (وَإِلَّا فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ، وَقِيلَ: يُنْقَلُ) لِوُجُودِ مُسْتَحِقِّهِ، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ عَدَمُهُ فِي مَحَلِّهِ كَالْعَدَمِ الْمُطْلَقِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ النَّقْلِ وَتَفْرِيقُهُ ظَاهِرٌ، فِيمَا إذَا فَرَّقَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ، أَمَّا إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ، فَرُبَّمَا اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْحَابِ طَرْدَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ لَهُ، وَالتَّفْرِقَةِ كَيْفَ شَاءَ وَهَذَا أَشْبَهُ انْتَهَى.
(وَشَرْطُ السَّاعِي) وَهُوَ الْعَامِلُ وُصِفَ بِأَحَدِ أَوْصَافِهِ السَّابِقَةِ، (كَوْنُهُ حُرًّا عَدْلًا فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ) يَعْرِفُ مَا يَأْخُذُ وَمَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ (فَإِنْ عُيِّنَ لَهُ أَخْذٌ وَدَفْعٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْفِقْهُ) الْمَذْكُورُ، وَتَقَدَّمَ شَرْطُ أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا، وَلَا مُطَّلِبِيًّا، وَلَا مَوْلَاهُمْ وَكَذَا، وَلَا مُرْتَزِقًا، مِمَّا ذُكِرَ فِي سَهْمِ الْغُزَاةِ (وَلْيُعْلِمْ) أَيْ السَّاعِي (شَهْرًا لِأَخْذِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ نَدْبًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَرَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السُّنَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ الْمُخْتَلِفُ فِي حَقِّ النَّاسِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ، كَالزُّرُوعِ، وَالثِّمَارِ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ فِيهِ، اشْتِدَادُ الْحَبِّ، وَإِدْرَاكُ الثِّمَارِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ فِي النَّاحِيَةِ الْوَاحِدَةِ كَثِيرَ اخْتِلَافٍ ثُمَّ بَعْثُ السُّعَاةِ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ، وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامَةِ.
(وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ) لِلْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقِيَاسُ الْبَاقِي عَلَيْهِ، وَفِيهِ فَائِدَةُ تَمَيُّزِهَا عَنْ غَيْرِهَا، وَأَنْ يَرُدَّهَا وَاجِدُهَا لَوْ شَرَدَتْ أَوْ ضَلَّتْ، (فِي مَوْضِعٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا صُلْبٌ ظَاهِرٌ (لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ) وَالْأَوْلَى فِي الْغَنَمِ الْآذَانُ، وَفِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْأَفْخَاذُ (يُكْرَهُ فِي الْوَجْهِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ) فِي التَّهْذِيبِ، (وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَعَنَ فَاعِلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ» ثُمَّ السِّمَةُ فِي نَعَمِ صَدَقَةِ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَفِي نَعَمِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْفَيْءِ جِزْيَةٌ أَوْ صِغَارٌ.

. فَصْلٌ:

صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَكَافِرٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا وَفِي الْبَيَانِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا مُظْهِرَ الْفَاقَةِ، وَهُوَ حَسَنٌ وَفِي الْحَاوِي الْغَنِيُّ بِمَالٍ، أَوْ بِصَنْعَةٍ سُؤَالُهُ حَرَامٌ، وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ انْتَهَى، (وَدَفْعُهَا سِرًّا، وَفِي رَمَضَانَ وَلِقَرِيبٍ وَجَارٍ أَفْضَلُ)، مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا، وَفِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلِغَيْرِ قَرِيبٍ، وَغَيْرِ جَارٍ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. (وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ، (حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ)، فَالتَّصَدُّقُ بِدُونِ أَدَائِهِ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً) لَوْ تَصَدَّقَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنْ رَجَا وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ، وَفِيهَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ قِيلَ يَحْرُمُ، وَإِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ أَيْ إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ (وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ)، لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَدَيْنِهِ، (أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ) عَلَى الْإِضَافَةِ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ. (وَإِلَّا فَلَا) يُسْتَحَبُّ، وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا.

. كتاب النكاح:

أَيْ التَّزْوِيجِ (وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ) بِأَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ (يَجِدُ أُهْبَتَهُ) أَيْ مُؤْنَتَهُ مِنْ مَهْرٍ، وَغَيْرِهِ تَحْصِينًا لِلدِّينِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَمْ لَا، (فَإِنْ فَقَدَهَا اُسْتُحِبَّ تَرْكُهُ وَيَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ) إرْشَادًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ، فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، أَيْ دَافِعٌ لِشَهْوَتِهِ، وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ مُؤَنُ النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ بِالصَّوْمِ، لَا يَكْسِرُهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوِهِ، بَلْ يَتَزَوَّجُ (فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ) إلَيْهِ بِأَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ. (كُرِهَ) لَهُ (إنْ فَقَدَ الْأُهْبَةَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ أَمْ لَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْقِدْ الْأُهْبَةَ أَيْ وَجَدَهَا وَلَيْسَ بِهِ عِلَّةٌ (فَلَا) يُكْرَهُ لَهُ (لَكِنَّ الْعِبَادَةَ أَفْضَلُ) لَهُ مِنْهُ أَيْ فَاضِلَةٌ عَلَيْهِ (قُلْت فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْهُ فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ لَهُ) مِنْ تَرْكِهِ (فِي الْأَصَحِّ)، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ كَيْ لَا تُفْضِيَ بِهِ الْبَطَالَةُ إلَى الْفَوَاحِشِ، وَالثَّانِي تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلْخَطَرِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، (فَإِنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ كُرِهَ) لَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ مَعَ الْخَطَرِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا أَصْلِهَا، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي الْكَرَاهَةِ فِيهَا, (وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ)، بِخِلَافِ الْفَاسِقَةِ (بِكْرٌ) إلَّا لِعُذْرٍ كَأَنْ تَضْعُفَ آلَتُهُ عَنْ افْتِضَاضِهَا، (نَسِيبَةٌ) بِخِلَافِ بِنْتِ الزِّنَا (لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً)، بِأَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ قَرَابَةً بَعِيدَةً لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ فِي الْقَرِيبَةِ، فَيَجِيءُ الْوَلَدُ نَحِيفًا، وَالْبَعِيدَةُ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ لَيْسَتْ غَيْرُ كَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ (وَإِذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا سُنَّ نَظَرُهُ إلَيْهَا قَبْلَ الْخِطْبَةِ) لَهَا (وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ) فِيهِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ «الْمُغِيرَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يَحْصُلَ بَيْنَكُمَا الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ، فَقَوْلُهُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ بَيَانٌ لِوَقْتِ النَّظَرِ، وَلَوْ كَانَ وَقْتُهُ بَعْدَهَا لَشَقَّ عَلَى الْمَرْأَةِ تَرْكُ النَّاظِرِ لَهَا نِكَاحَهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ خَطَبَ امْرَأَةً أَيْ عَزَمَ عَلَى خِطْبَتِهَا (وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ)، لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهَا فَلَا يَنْدَمَ بَعْدَ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ، (وَلَا يَنْظُرُ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ مِنْهَا وَفِي نَظَرِهِمَا كِفَايَةٌ، فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى خَصِبَ الْبَدَنِ، وَيَنْظُرُهُمَا ظَهْرًا وَبَطْنًا.
(وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبِيرَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ)، مُطْلَقًا قَطْعًا وَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرَةِ غَيْرُ الصَّغِيرَةِ، الَّتِي لَا تُشْتَهَى، (وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفُّهَا)، أَيْ كُلُّ كَفٍّ مِنْهَا (عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ). أَيْ دَاعٍ إلَى الِاخْتِلَاءِ بِهَا وَنَحْوِهِ (وَكَذَا عِنْدَ الْأَمْنِ)، مِنْ الْفِتْنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ، وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ نَعَمْ يُكْرَهُ، وَالْكَفُّ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِعْصَمِ لَا الرَّاحَةُ فَقَطْ (وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ)، أَيْ يَحْرُمُ نَظَرُ ذَلِكَ (وَيَحِلُّ) نَظَرُ (مَا سِوَاهُ) قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} وَالزِّينَةُ مُفَسَّرَةٌ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ، وَالرُّكْبَةِ (وَقِيلَ) يَحِلُّ نَظَرُ (مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ) أَيْ الْخِدْمَةِ (فَقَطْ) كَالرَّأْسِ وَالْعُنُقِ وَالْوَجْهِ، وَالْكَفِّ، وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْمَحْرَمُ بِالنَّسَبِ، وَالْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (حِلُّ النَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ إلَى الْأَمَةِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ مِنْهَا، وَالثَّانِي يَحْرُمُ نَظَرُ كُلِّهَا كَالْحُرَّةِ وَسَيَأْتِي تَرْجِيحُهُ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ نَظَرُ مَا لَا يَبْدُو مِنْهَا فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ قَطْعًا لِكُلِّ مَنْظُورٍ إلَيْهِ مِنْ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهِ، غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ هُنَا بَعْضُ الْمَسَائِلِ لَيْسَ لِلِاخْتِصَاصِ بَلْ لِحِكْمَةٍ تَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ النَّظَرِ (إلَى صَغِيرَةٍ إلَّا الْفَرْجَ)؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْإِنَاثِ أَمَّا الْفَرْجُ، فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ، كَصَاحِبِ الْعِدَّةِ اتِّفَاقًا زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِحِلِّهِ (وَ) الْأَصَحُّ (إنْ نَظَرَ الْعَبْدُ إلَى سَيِّدَتِهِ، وَنَظَرُ مَمْسُوحٍ) أَيْ ذَاهِبُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ. (كَالنَّظَرِ إلَى مَحْرَمٍ) فَيَحِلُّ نَظَرُهُمَا نَظَرَ الْمَحْرَمِ، قَالَ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ} وَالثَّانِي يَحْرُمُ نَظَرُهُمَا كَغَيْرِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْإِمَاءُ، وَالْمُغَفَّلُونَ الَّذِينَ لَا يَشْتَهُونَ النِّسَاءَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ)، فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ مَنْعُهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، فَيَلْزَمُهَا الِاحْتِجَابُ مِنْهُ لِظُهُورِهِ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِخِلَافِ طِفْلٍ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ كَالْبَالِغِ، فَلَهُ النَّظَرُ كَالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ قَالَ تَعَالَى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} وَعَلَى هَذَا فَنَظَرُهُ كَالنَّظَرِ إلَى مَحْرَمٍ.
(وَيَحِلُّ نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ)، فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، (وَيَحْرُمُ نَظَرُ أَمْرَدَ بِشَهْوَةٍ)، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فَيَلْتَذَّ، (قُلْت: وَكَذَا بِغَيْرِهَا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ)؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ نَظَرِهِ الْفِتْنَةُ كَالْمَرْأَةِ؛ إذْ الْكَلَامُ فِي الْجَمِيلِ الْوَجْهِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ، وَإِلَّا لَأُمِرَ الْمُرْدُ بِالِاحْتِجَابِ كَالنِّسَاءِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاحْتِجَابِ لِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَفِي تَرْكِ الْأَسْبَابِ اللَّازِمِ لَهُ وَعَلَى غَيْرِهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ، وَالْخِلَافُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَجَزَمَ عِنْدَ عَدَمِهِ بِالْجَوَازِ، وَزَادَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ أَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَنَقَلَهُ الدَّارَكِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَأَخَذَ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ مَا شَمِلَتْهُ عِبَارَتُهُ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ الْحُرْمَةِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ حَسْمًا لِلْبَابِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، بِحِكَايَتِهَا فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُبَالِ بِتَعْلِيلِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ، مَا أَطْلَقَهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ، وَلَا تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْبَيَانِ مَا نَقَلَهُ الدَّارَكِيُّ عَنْ النَّصِّ بِأَنَّهُ يُفْتَنُ، وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْحُرْمَةِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي مُخَالَطَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ فِي الْمَكَاتِبِ، وَمَحَالِّ الصَّنَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ، فَدَفَعَهُ بِمَا سَيَأْتِي لَهُ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ.
(وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ) فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهَا، (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمَرْأَةُ مَعَ امْرَأَةٍ كَرَجُلٍ وَرَجُلٍ)، فَيَحِلُّ نَظَرُهَا إلَيْهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ، وَرُكْبَةٍ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ، (وَالْأَصَحُّ بِتَحْرِيمِ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ إلَى مُسْلِمَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وَالذِّمِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ، نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَرَى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ، وَقِيلَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ. (وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيٍّ سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ إنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً)؛ لِأَنَّ مَا سِوَى مَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ كَهُوَ) أَيْ كَنَظَرِهِ (إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} وَالثَّالِثُ يَجُوزُ إلَى مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ خَافَتْ فِتْنَةً حَرُمَ قَطْعًا (وَنَظَرَهَا إلَى مَحْرَمِهَا كَعَكْسِهِ) أَيْ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحْرَمِهِ، فَتَنْظُرُ مِنْهُ مَا سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَقِيلَ مَا يَبْدُو مِنْهُ فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ، وَهُوَ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ.
(وَمَتَى حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ الْمَسُّ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ مِنْهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ ذَلِكَ، مَسُّ فَخْذِ رَجُلٍ بِلَا حَائِلٍ وَيَجُوزُ مِنْ فَوْقِ إزَارٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، وَقَدْ يَحْرُمُ الْمَسُّ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ كَمَسِّ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَيَحْرُمُ. وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِ نَظَرِهِ، وَكَغَمْزِ الرَّجُلِ سَاقَ مَحْرَمَةٍ، أَوْ رِجْلَهَا وَعَكْسُهُ، فَيَحْرُمُ مَعَ جَوَازِ النَّظَرِ إلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ مَتَى حَيْثُ، كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَانَ أَقْرَبَ لِلْمُرَادِ؛ لِأَنَّ حَيْثُ اسْمُ مَكَانٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يَحْرُمُ نَظَرُهُ، يَحْرُمُ مَسُّهُ، وَمَتَى اسْمُ زَمَانٍ وَلَا مَوْقِعَ لِإِرَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِغَيْرِهِ.
(وَيُبَاحَانِ) أَيْ النَّظَرُ وَالْمَسُّ (لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ) لِعِلَّةٍ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِحُضُورِ مَحْرَمٍ، أَوْ زَوْجٍ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تُوجَدَ امْرَأَةٌ تُعَالِجُ الْمَرْأَةَ أَوْ رَجُلٌ يُعَالِجُ الرَّجُلَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ذِمِّيًّا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمٍ، (قُلْت: وَيُبَاحُ النَّظَرُ لِمُعَامَلَةٍ) بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَشَهَادَةٍ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً. (وَتَعْلِيمٍ) وَهُوَ لِلْأَمْرَدِ كَإِرَادَةِ الرَّجُلِ شِرَاءَ جَارِيَةٍ، أَوْ الْمَرْأَةِ شِرَاءَ عَبْدٍ، (بِقَدْرِ الْحَاجَةِ) فِي الْجَمِيعِ، (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)، فَيُنْظَرُ فِي إرَادَةِ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيَنْظُرُ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَأَدَائِهَا وَجْهَهَا فَقَطْ، وَمَسْأَلَةُ التَّعْلِيمِ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْقَصْدُ بِهَا تَعْلِيمُ الْأَمْرَدِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ بِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ، مُطْلَقًا وَلَا غِنَى لِلْمُرْدِ عَنْ تَعَلُّمِ الْوَاجِبَاتِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَتَأَتَّى تَعْلِيمُهُمْ بِدُونِ النَّظَرِ إلَيْهِمْ ذَكَرَ جَوَازَهُ، لِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوِيهِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَفْقِدُ مَنْ يُعَلِّمُهَا مِنْ مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَلَا يَجُوزُ نَظَرُ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا لِلتَّعْلِيمِ وَسَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ تَعَذَّرَ تَعْلِيمُهُ (وَلِلزَّوْجِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ بَدَنِهَا)؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اسْتِمْتَاعِهِ لَكِنْ يُكْرَهُ نَظَرُ الْفَرْجِ وَسَيِّدُ الْأَمَةِ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا كَالزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ.

. فَصْلٌ:

تَحِلُّ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا وَتَحْرُمُ، خِطْبَةُ الْمَنْكُوحَةِ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فِيهِمَا، (لَا تَصْرِيحَ لِمُعْتَدَّةٍ) فَيَحْرُمُ رَجْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَائِنًا، أَوْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ إجْمَاعًا (وَلَا تَعْرِيضَ لِرَجْعِيَّةٍ) فَيَحْرُمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَنْكُوحَةِ. (وَيَحِلُّ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) قَالَ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} وَهِيَ وَارِدَةٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، (وَكَذَا الْبَائِنُ) بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْقِطَاعِ سُلْطَةِ الزَّوْجِ عَنْهَا، وَالثَّانِي يَحْرُمُ؛ إذْ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَنْكِحَهَا فَأَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ فَإِنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ. كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُفَارَقَةِ بِلِعَانٍ أَوْ رَضَاعٍ فَكَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ، وَقِيلَ فِيهَا الْخِلَافُ وَالتَّصْرِيحُ نَحْوُ أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَك أَوْ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك نَكَحْتُك، وَالتَّعْرِيضُ نَحْوُ مَنْ يَجِدُ مِثْلَ، أَوْ إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي، وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا حُكْمُ الْخِطْبَةِ.
(وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صَرَّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَوْ بِتَرْكٍ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ «لَا يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَذَرَ»، وَلَوْ صَرَّحَ بِرَدِّهِ حَلَّتْ (فَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُرِدْ) أَيْ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِجَابَةٍ، وَلَا رَدٍّ بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُمَا، أَوْ ذَكَرَ، مَا يُشْعِرُ بِالرِّضَا نَحْوَ لَا رَغْبَةَ عَنْك، (لَمْ تَحْرُمْ فِي الْأَظْهَرِ) وَقَطَعَ بِهِ فِي السُّكُوتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبْطِنُ شَيْئًا مُقَرَّرًا، وَالثَّانِي تَحْرُمُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَتُعْتَبَرُ الْإِجَابَةُ وَالرَّدُّ لَاغِيَةَ الْإِذْنِ مِنْ الْوَلِيِّ، وَفِي مُعْتَبَرَتِهِ مِنْهَا، وَفِي الرَّقِيقَةِ مِنْ السَّيِّدِ، وَتَجُوزُ خِطْبَةُ مَنْ لَمْ يَدْرِ أَخُطِبَتْ أَمْ لَا، وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أُجِيبَ خَاطِبُهَا أَمْ رُدَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْخَاطِبُ الْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ فِي الذِّمِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَقِيلَ: هُوَ فِي الْمُسْلِمِ فَقَطْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ: (مَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ عُيُوبَهُ (بِصِدْقٍ) لِيُحْذَرَ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ، وَسُمِّيَتْ عُيُوبُ الْإِنْسَانِ مَسَاوِئَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهَا يَسُوءُهُ، فَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنْ الْهَمْزَةِ وَقِيَاسُ الْمُفْرَدِ مَسْوَأٌ كَمَسْكَنٍ، وَاسْتَغْنَى عَنْهُ بِسُوءٍ، كَمَا فِي حَسَنٍ وَمَحَاسِنَ , (وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ (قَبْلَ الْخِطْبَةِ) بِكَسْرِهَا (وَ) أُخْرَى (قَبْلَ الْعَقْدِ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْ مِنْ الْبَرَكَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ كُلُّ كَلَامٍ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى الْخَاطِبُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَقُولُ: جِئْتُكُمْ خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ، وَيَخْطُبُ الْوَلِيُّ كَذَلِكَ ثُمَّ يَقُولُ لَسْت بِمَرْغُوبٍ عَنْك، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ الْمُسْتَحَبُّ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ مِنْ الْوَلِيِّ أَوْ الزَّوْجِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، (وَلَوْ) (خَطَبَ الْوَلِيُّ)، وَأَوْجَبَ كَأَنْ قَالَ الْحَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ زَوَّجْت إلَى آخِرِهِ، (فَقَالَ الزَّوْجُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْت) إلَى آخِرِهِ، (صَحَّ النِّكَاحُ) مَعَ مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، (عَلَى الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَ مُقَدَّمَةُ الْقَبُولِ فَلَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ كَالْإِقَامَةِ بَيْنَ صَلَاةِ الْجَمْعِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَ لَيْسَ مِنْ الْعَقْدِ (بَلْ) عَلَى الصِّحَّةِ (يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ) الذِّكْرُ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (قُلْت: الصَّحِيحُ لَا يُسْتَحَبُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بَلْ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُ التَّعْجِيزِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ بِهِ، وَسَكَتَ عَنْ اسْتِحْبَابِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا وَلَا فِي أَصْلِهَا حِكَايَةُ مُقَابِلِهِ، (فَإِنْ طَالَ الذِّكْرُ الْفَاصِلُ) بَيْنَهُمَا (لَمْ يَصِحَّ)، النِّكَاحُ قَطْعًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ الذِّكْرُ مُقَدَّمَةَ الْقَبُولِ، فَلَا يَضُرُّ إطَالَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ مُقَابِلُهُ، (فَإِنْ طَالَ الذِّكْرُ الْفَاصِلُ) بَيْنَهُمَا (لَمْ يَصِحَّ)، النِّكَاحُ قَطْعًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الذِّكْرُ مُقَدَّمَةَ الْقَبُولِ، فَلَا يَضُرُّ إطَالَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ.